أنا عبدالرحمن حسنين مخلوف من مواليد عام ،1924 ولدت ونشأت في أسرة اشتهر رجالها بكونهم علماء أزهريين، كان أكثرهم أعضاء في هيئة علماء الأزهر، وشغل بعضهم منصب مفتي الديار المصرية، وكان مقدراً لي أن أسلك هذا الطريق لولا أن أصر أخوتي الكبار، رحمهم الله، على أن أسلك طريق التعليم الحديث بدلا من التعليم الديني، وكان ذاك حيث درست في المدارس النظامية إلى أن أنهيت المرحلة الثانوية ثم التحقت بجامعة القاهرة ودرست في كلية الهندسة قسم العمارة وتخرجت فيها عام 1950 وعينت معيداً بها في عام ،1951 ثم مدرسا بعد حصولي على شهادة الدكتوراه من جامعة ميونيخ عام 1957 .
منذ طفولتي وأنا أحب في لعبي أن أرسم أشكالا هندسية وتصاميم عمرانية لمختلف المباني، وكنت مولعاً بتفاصيل العمارة، ونما حبي هذا مع نموي وكبري حتى دخلت الجامعة وتخصصت في الهندسة، وكانت صورتا المدينة المنورة ومكة المكرمة من أوائل الصور التي رأيتها لمدن عربية وإسلامية شهيرة، وهما المدينتان المقدستان، وكلما كانت تقع عيني على صورة المدينة المنورة أو مكة المكرمة كنت أتمنى وأدعو الله أن يشرفني بعملية تخطيط هاتين المدينتين المقدستين، وشاءت الأقدار أن انتدبت للعمل في هيئة الأمم المتحدة كخبير لتخطيط المدن، وطلبت المملكة العربية السعودية العام 1959 من الأمم المتحدة تزويدها بخبير لتخطيط المدن على أن يكون مسلماً، وذلك لتخطيط بعض مدنها فتم تكليفي بهذه المهمة، وعرفت أن الله قد استجاب دعائي فبقيت في المملكة إلى العام 1963 قمت خلالها بإنشاء جهاز تخطيط المدن وأنجزت مشروعات التخطيط العمراني لكل من مدينة جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة وينبع وجيزان، ولله الحمد على تشريفي بهذا العمل العظيم .
خطط لحياته ونظمها قبل أن يخطط للمدن والأماكن المشهورة،
ستظل المدن، بل والبلدان تتحدث باسمه، كان حلمه أن يصمم مكة المكرمة وكان له ذلك، أنجز مشروعات التخطيط العمراني لكل من جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة وفي سنة 1968 عين مديرا لتخطيط المدن في أبوظبي، وفي سنة 1972 أسس المكتب العربي للتخطيط والعمارة، وانتدب أستاذا محاضرا لمادة التخطيط العمراني في كلية الهندسة بجامعة الإمارات من 1983 إلى 1985، ومسيرته وعطاؤه كبيران في الإمارات وبعض مدن العالم التي ستظل شاهدة على إنجازاته.
إنه الدكتور عبد الرحمن حسنين مخلوف خبير التخطيط العمراني، والذي كرم مؤخرا بـ «جائزة أبوظبي»، إلى جانب ثمانية آخرين كل في مجاله، علم بفوزه بجائزة أبوظبي قبل أيام من إعلان النتائج، كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة له لم يستوعبها إلى اليوم على حد قوله، وحين اعتلى منصة التتويج ليكرمه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لم تسعفه العبارات، وكان الموقف أكبر من مشاعره، وكانت الجائزة في دورتها الخامسة في احتفال كبير بفندق الإمارات.
يقول عن فوزه: إنه شرف كبير أن أفوز بهذه الجائزة القيمة جداً، وأنا لغاية اليوم لم أستوعب أنني حصلت عليها، وأقول شكراً لمن كرمني وشكراً لمن رشحني، وهذه الجائزة جاءت تتويجاً لكل أعمالي وجهودي، ولازلت على استعداد لإعطاء المزيد.
رحلة المعرفة
عند زيارة عبد الرحمن مخلوف، الفائز بجائزة أبوظبي لهذه السنة في مكتبه، يفاجأ المرء بتنظيمه الشديد، ودقته المتناهية في أرشفة مواد عمله وخرائطه التي كان يعمل عليها التي يرجع تاريخها لأكثر من نصف قرن، تحمل خطوطه وتوقيعاته، في نسخها الأصلية، لازال يحتفظ بتفاصيل عمله وجزئياته في ذاكرته كما على لوحات كرتونية رصّ عليها كل ما يراه، مراحل مهمة في حياته، جزئيات تسقط تفاصيلها من أناس عاديين، لكنه هو إنسان غير عادي، لايزال يحتفظ بكل شيء في أدراجه الكثيرة المنظمة، وخارج مكتبه وعلى مساحة ممتدة عدة أمتار على دخوله يتضح للداخل أنه أمام خبرة كبيرة في مجال التخطيط، وتبرز تلك الصور والخرائط المتراصة على كل الجوانب والاتجاهات.
يقول مخلوف عن دراسته وأعماله في مجال التخطيط: تخرجت من جامعة القاهرة كلية الهندسة، قسم العمارة عام 1950، عينت معيداً ثم مدرساً بعد حصولي على الدكتوراه من جامعة ميونيخ عام 1957، ثم انتدبت خبيراً للأمم المتحدة لتخطيط المدن في المملكة العربية السعودية من عام 1959 إلى سنة 1963 قمت أثناء هذه المدة بإنشاء جهاز تخطيط المدن، وأنجزت مشروعات التخطيط العمراني لكل من جدة ومكة المكرمة والمدينة وينبع، وفي سنة 1964 عدت إلى القاهرة وعينت أستاذاً لتخطيط المدن عام 1965، وكنت أول من قام ببحث علمي عن أوضاع ومستقبل مدينة القاهرة والجيزة كإقليم عمراني متكامل، ووضعت مخططاً مستقبليا لهما اقترحت فيه المدن الصحراوية الواقعة على طريق السويس والفيوم وانتدبت سنة 1966 مديرا عاما لإدارة التخطيط العمراني للقاهرة الكبرى، وفي عام 1968، عينت مديراً لتخطيط المدن في أبوظبي حيث توليت مهام تخطيط المدن بها وإنشاء دائرة تخطيط المدن بكل من مدينتي أبوظبي والعين، وكان ذلك لمدة 7 سنوات ونصف السنة إلى مايو 1972 وفي نفس السنة أسست المكتب العربي للتخطيط والعمارة.