كشف المستور….
بقلم الدكتور/ عماد الدين حسين – مستشار التميز المؤسسي والتدريب
حالت مشاغلى وتعدد أسفارى وحدودية الوقت دون متابعة المشهد فى أم الدنيا بأفراحه وأتراحه . ولعدة أسابيع ممتدة بل شهور وأنا أحدث نفسى بأن التحليق بعيدا عن عرين الأسد ربما يجلب معه أخبار سارة ولكن هيهات….. أمهلتنى الحياه سويعات لأطالع ما فاتنى فى سفر الوطن المكلوم… أدركت أنه لم يفوتنى الكثير…. وبعد متابعة ـ ليست بدقيقة بل مشوبة بجهل وتقصير منى ـ رصدت شواهد عديدة ولكنها أليمة ومؤلمة تجعل الشكوك تساورك أهذا هو الوطن أم بقايا وطن ، لم أجد مع ما إطلعت عليه من عنوان سوى (كشف المستور) وإليكم شواهدى التى رصدتها فى عجالة العائد ليطالع العهد البائد من بعيد الى قريب أبعد…..
- كشف المستور الأول ….مع أفول نجم العهد المباركى وإعتلال وتدهور صحة الرئيس السابق ، فقد صاحب وهن الرئيس ، وهناً أعظم شأناً وأشد فتكاً وأنكى أثراً بأمة تسعى للمستقبل وترتقب ميلاد عهد جديد. وأقصد بالوهن جملة الحوارات والمناطحات اللافكرية واللاعقلية واللادبية واللاخلاقية بين ( إمارة القضاء) و(إمارة البرلمان)حتى ليصل الأمر من رئيس نادى القضاه الى سباب أشبه بلغة (الحوارى) حيث تباينت المفردات بين ( تكسير العظام) و(بكاء الأطفال) و( ورقة التوت) لكشف المسكوت وغيرها من إيماءات وإيحاءات الردح الانتحارى والقدح اللامقبول من أصحاب العقول ، ولهذا جاء مسلسل (كشف المستور) بإخراج لا يباريه روعة ولا يدانيه حرفية فى الأداء والكلمات وإفتراش القنوات الفضائية وإفتراس كل من يعارض …
- كشف المستور الثانى…خصمان فى ساحة الخصومة الانتخابية ، وصلا الى القمة التنافسية لعوامل خفية ومخفية ، يفترض أنهما سيكونا قدوة لشعب طال إنتظاره وطال ترقبه لعهد خال من الكلسترول الوبائى الملىء بخداع الذات ووهم الذات وتضخم الذات وبيع الأوهام وبناء الأوطان على أنقاض الشهداء الأنقياء الأوفياء ، ولكن هيهات . الخصم الأول يمثل (وعد بلفور) ويتزعمه العلامة (شفيق) وقد غازل الجيل الجديد مدغدغاً المشاعر والرجول دون العقول بأنه يعدهم ـ ووعد الحر دين عليه ـ بأنهم يوما ما ـ يراه شفيق قريبا وأراه أنا مستحيلا ـ يوما ما سيكونوا فى مصاف مهارات الخطيب وحسن شحاتة وأبوتريكة وشيكابالا ، وواهبا (صك غفران) على غرار (المنح الملكية) بأن كل من بنى أو سيبنى أو نوى أن يبنى على أرض زراعية ، فقد غفر له ما تقدم وما تأخر ، ولن يكون (شفيق) خصيمه ، بل سيكون حسيبه وقريبه وناصره ومؤازره ..وللفجيعة فى الوعد أخذتنى ذاكرتى الواهنة ـ ولكنها الحية ـ لأراجع تصريحات (شفيق) حين كان رئيسا للوزراء ، فوجدته قد توعد كل من بنى على الأراضى الزراعية أثناء الثورة … بأنه لن يفلت من القانون ..وأدركت آنذاك أن (شفيق) تحول من (عادة) الى (أوتوماتيكى) أو من الرجل (الأخضر ) الى الرجل ( الصحراوى) …ولهذا خالف وعده ونكث عهده وتعهد بعكس ما وعد والرجل له كل الحق ، فنحن أمة ذاكرتنا ممهروة بالتوقيع الحالى والآنى ولا تشغل بالها بالأمس ولا بالغد ….. ….
- والخصم الثانى سماحة العلامة ( الاخوانى) ورغم أنه أقل بأسا وضٌرا وفتكاً ، ولكنه ما برح أن يعلن للجميع أن (وعده الموعود) هو الأول والآخر وكل من لا يسانده فهو خصيمه . ناهيك عن قاموس ( دوران شبرا) وأنت تتعجب أن أحدهما سوف يقف يوما ما ـ قريبا غير بعيد ـ على منصة الرئاسة فى القاهرة المكلومة محاطا بالسجادة الحمراء والحرس البيضاوى والقصر المزركش ….ليقول وبكل ثقة …أيها الأخوة والأخوات ..نحن فى مسيرة البناء…ونحن أمة يجب أن تزهو بمفكريها …وباقى الشريط المعهود ..كيف سيلقى أحدهما على مسامعنا هذه ( الاسطوانة) وكيف ستجد التصفيق الحاد والهاد فى آن واحد …لأنه سيكون آنذاك الرئيس المؤمن والمؤمن عليه والمؤمن به ….وهذا هو المستور الثانى…اللهم إسترنا فى الدارين…
- كشف المستور الثالث ….بينما الجموع تتوافد على الميدان الأغر ، وبينما القنوات الفضائية تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية والبثية فى الندب والردح والقدح والتواصل اللسانى والتعليق على مباريات كرة القدم وأحكام القضاء على الرئيس السابق والشقق المعروضة للبيع فى دريم لاند من خلال معلق واحد ومذيع أوحد ..وكل هذا وذلك بنفس المذيع ، حتى تضحك ، وهو ضحك كالبكاء ، أين التخصص ، أين العقلانية ، أين الاعداد والمهنية ، الكل فلول ، والكل نشطاء سياسيون ، والكل يتحدث بإسم الشعب ، والكل فى الميدان ، والكل جاء على قدميه مشيا ـ نعم مشيا ـ من قنا وطنطا وسيدى بشر ليشارك فى الميدان ، وحينما تسأل كم قطع المسافة فيقول لك أنا وصلت وخلاص..وتسمع من يجأر بأعلى صوته ..حسبنا الله فيك يا أيمن يا منصور..وتسأل من هو أيمن منصور….فلا تعلم ولكن حسبى الله فيه…..وحينما تعاود السؤال هل أيمن غير منصور؟؟..فيأتى الجواب حسبى الله فيهم هما الاثنين!!! ..ومن هما لا تدرى ..وأنا أيضا لا أدرى …والمستور هنا ….ليس فحسب هذا (الكوكتيل) المرير وحوله (مشروبات ) أخرى أشد مرارة ….ولكن السؤال الأهم من كشف المستور : من يعمل ومن يُنتج ومن يُقدم خبزا ومن يُوفر وقودا ومن يعلم فى المدرسة ـ رغم ضحالة المضمون ، ومن يُعين محتاج تقطعت به السبل ، ومن يقتص لمظلوم فى أحد أقسام الشرطة، ومن يُعين عامل حيلت بينه وبين رزقه ثورة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب …ثورة وضعها الثوار خلفهم ووضعوا (الكرسى) أمامهم…ثورة تسأل نفسها : لم أعد أدرى عدوى من صديقى ولا مريدى من قاتلى ؟…، ويستمر السؤال بلا جواب : من يعين أسرة أن تواصل مسيرتها فى لظى الصيف الحار ونفاذ الوقود بشقيه المحروقات والمالى ، …ومن …ومن…..لا مجيب لأن المستور كُشف …ولو تركت لقلمى العنان لن أنتهى عن آلامى وأشجانى فى كشف المستور…
تألمت كثيرا أن (كشف المستور) لم يترك لفضيلة موضعا الا أهانها ، ولم يدع للشعب من (شرف) الا أهال عليه التراب حتى توارى الشرفاء الضعفاء من حاملى التنوير فى الأمة المكلومة ينتظرون أن يغادروا سفينة المحروسة إما لدار الحق والعدل وإما الى شواطىء بعيدة عن بلد يخضع للتجريف من الرغيف الى كل مكتسب غال وثمين…. وتناسينا أننا أمة السنهورى والطهطاوى والعقاد والشعراوى والغزالى والباز وأم كلثوم والمنفلوطى والمراغى وغيرهم من أعمدة الدين والفكر والأدب ….أخشى ما أخشاه أن يمتد مسلسل (كشف المستور) فيجرف ما تبقى من العقول وتتحول حياتنا الى شجار الشك وواحات الريبة وثمار لا يولد من رحمها سوى (لبننة مصرية) أو (بغداد قاهرية ) أو (يمن مصرية ) لنعود الى عهود الظلام والتربص فى دولة جديدة إسمها (هدم الوطن وكشف المستورالعربية المتفرقة !!!) …رب إنك تعلم ما لا نعلم ، فهب لنا من لدنك نصيرا وإكتب لهذه الأمة من يستور عورتها وينجيها من مهالك الفتن وشرور البشر ونوازع النفس ومن محبيها قبل كاريهيها ..إنك على ما تشاء قدير.
عماد الدين حسين
أبوظبى 9 يونيو 2012